ــــ(((أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها)))ــــ
قاعدة مهمة جدا وجليلة في أسماء الله تعالى الحسنى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا كما أمر ، وأشكره جل وعلا وقد تأذن بالزيادة لمن شكر @وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة نكون بها من خواصّ من صدق وامتثل وأتمر ، ولو كره ذلك من أشرك بالله ، وجحد بهذه الشهادة وكفر@ وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله ، وصفيه وخليله ، ومجتباه وحبيبه ، ومصطفاه من البشر، سيد البشر ، والشافع المشفع في المحشر ، صفوة الصفوة من مضر, المصطفى الأطهر، ذو المجد الأغر، والوجه الأنور، والجبين الأزهر، والفضل الأظهر @صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، السادة الغرر ، والنجوم الزهر ، والنجباء الدرر ، خير صحب ومعشر ، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور ، وما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين @ أما بعد :
إخواني / أخواتي في الله السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، لقد لفت نظري أن بعض الإخوة أو الأخوات قد يطلق بعض الأسماء على الله تعالى وهي أسماء غير صحيحة . مثل أن يقول مثلا : الله هو (المنتقم) ، الله هو (الجليل) ، (النافع الضار) ، (المانع) ، (الباقي) وغيرها من الأسماء التي لا دليل يدل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذه الأسماء وإن كانت لها معان صحيحة يتصف الله بها ، إلا أنه لم يرد في القرآن والسنة ما يدل عليها ، أو ما يدل على أن الله تعالى سمى نفسه الكريمة بها . ولا يمكن للعقل البشري أن يثبت لله اسما بدون الاهتداء والاستضاءة بنور الوحي من الكتاب والسنة الصحيحة . فلا يصح مثلا أن يطلق أحدنا على الله تعالى اسم (المهندس) أو (كبير المهندسين) أو (المهندس الأكبر) كما قد سمعنا من بعض الوعاظ للأسف الشديد . فهذا يعتبر من باب الكذب على الله ومن باب القول على الله تعالى بغير علم . لأن الله تعالى هو الذي يسمي نفسه ، لأنه هو أعلم بنفسه سبحانه وتعالى ، وكذلك يسميه رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه هو الأعلم بربه عن طريق الوحي . ومن هنا استنبط العلماء قاعدة مهمة جدا ألا وهي :
ــــ(((أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها)))ــــ
بمعنى أنه : يجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص ، بمعنى أنه لا يجوز لنا أن نخترع من عندنا أسماء لله تعالى لم ترد في الكتاب ولا في السنة . لماذا ؟ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله سبحانه وتعالى من الأسماء ، فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله تعالى : (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (36)) [الإسراء] فقوله تعالى : (وَلا تَقْفُ) أي لا تتبع ، من قفا يقفو ، إذا تتبع أثره ، وهو مشتق من اسم القفا وهو ما وراء العنق ، ومعنى الآية : لا تتبع ما لا علم لك به ، من قول أو فعل ، فلا تقل : رأيت وأنت لم تر ، ولا تقل : سمعت وأنت لم تسمع ، ولا تقل علمت وأنت لم تعلم . روى البيهقي في شعب الإيمان (6/109) وأبو نعيم في الحلية (8/189) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من قال في مؤمن ما لا يعلم حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال" قال أبو نعيم : حديث غريب تفرد به إسماعيل عن سهل . وإذا كان هذا في حق مؤمن من المخلوقين قلنا فيه ما لم نعلم ، فما بالنا لو قلنا على الله سبحانه وتعالى ما لم نعلم؟ . إذا فلا يجوز لنا أن نقول مثلا : إن الله هو (المهندس الأعظم) ولا نقول : (البنـَّاء الأكبر) لا يجوز لنا ذلك ولا ما يشبهه لقول الله تعالى أيضا : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(33)) [الأعراف] . والشاهد من الآية الكريمة أن تسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه هو قول على الله بغير علم فيكون محرما . ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه جناية في حقه تعالى ، فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص . ومن الأدلة على أننا لا نستطيع بعقولنا أن نصل إلى ما يستحقه الله تعالى من الأسماء الحسنى ولا أن نحصي ثناء عليه لأن أسماءه سبحانه وتعالى كلها حسنى وكلها ثناء ومدح لله جل وعلا ، والدليل قوله عليه الصلاة والسلام : "لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" [مسلم في صحيحه 1/352] ، والتسمية هي من الثناء على الله جل وعلا فدل على أن العقل لا مجال له في باب الأسماء إلا التصديق والوقوف عند النصوص .
ــ ومن الأدلة أيضا أنه لا يجوز تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بما ليس من أسمائه فالباري سبحانه وتعالى أولى بذلك [انظر : السفاريني في لوامع الأنوار1/125] . قال الخازن في تفسيره (2/276) : "ادعوا الله بأسمائه التي سمى بها نفسه أو سماه بها رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففيه دليل على أن أسماء الله توقيفية لا اصطلاحية ، ومما يدل على صحة هذا القول ويؤكده أنه يجوز أن يقال : يا (جواد) ولا يجوز أن يقال يا (سخي) ، ويجوز أن يقال : يا (عليم) ولا يجوز أن يقال : يا (عاقل) ، ويجوز أن يقال يا (حكيم) ولا يجوز أن يقال يا (طبيب)" أ . هـ . فالجواد والسخي في المعنى واحد ، ولكن الجواد اسم وارد وثابت ، أما السخي فلم يثبت وعليه فلا يجوز إطلاقه على الله تعالى . وكذلك العليم والعاقل في المعنى واحد ، ولكن العليم وارد وثابت أما العاقل فلم يثبت وعليه فلا يجوز لنا أن نطلق اسم العاقل على الله تعالى ، وهكذا في اسمي الحكيم والطبيب فالحكيم ثابت والطبيب غير ثابت .
قال الزمخشري في الكشاف (2/180) : "... كما سمعنا البدو يقولون بجهلهم : يا أبو المكارم ، يا أبيض الوجه: أ . هـ يعني يسمون الله تعالى بذلك ، فهذا فعلا من الجهل أن يطلق أحدهم اسما على الله تعالى لم يسم به نفسه .
وقال الخطابي : في كتاب : شأن الدعاء (111) : "... (فالجواد) لا يجوز أن يقاس عليه السخي وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد ...وكذلك لا يقاس عليه السمح ... وقد جاء في الأسماء (القوي) ولا يقاس عليه الجلد وإن كانا يتقاربان في نعوت الآدميين ... ولا يقاس على (القادر) المطيق ، [بمعنى : أنه لا يجوز أن نسمي الله المطيق قياسا على القادر] ، ولا المستطيع [أي لا يجوز أن نسمي الله المستطيع قياسا على القادر] ... ولا يقاس على (الرحيم) الرقيق [بمعنى : أنه لا يجوز أن نطلق على الله اسم الرقيق قياسا على الرحيم] " انتهى كلام الخطابي وأضيف عليه أنه لا يجوز لنا أن نسمي الله الوقور ، ولا الرزين قياسا على الحليم ، والله تعالى (عليم) ، ولكنه لا يجوز لنا أن نطلق عليه اسم (العارف) قياسا على العليم من جهة أن العلم هو المعرفة . [انظر فيما سبق : القواعد المثلى ، لابن عثيمين مع شرحه المجلى للشيخة كاملة الكواري] .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا وحبيبنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
أخوكم في الله
سعيد